يشكل الاحتفال بذكرى عيد العرش المجيد مناسبة للوقوف على ثابت راسخ من ثوابت الأمة المغربية. ثابت يؤكد ارتباط الشعب المغربي بالملك والمؤسسة الملكية، يتم خلاله تجديد روابط البيعة المتبادلة. وفاء ومحبة كما جاء في نص الخطاب الملكي السامي الذي ألقاه صاحب الجلالة نصره الله في الذكرى 26 لاعتلاء العرش.
يكتسي الخطاب الملكي أهمية بالغة تنتظره كل الأطياف السياسية، وجميع الفئات الاجتماعية، وكل الفاعلين الاقتصاديين، بوصفه بوصلة تعطي التشخيص الدقيق، والتوجهات العليا، والتوجيهات السديدة لكل الفاعلين السياسيين والاقتصاديين.
لقد أكد الخطاب الملكي أن الشغل الشاغل للملك والمؤسسة الملكية هو بناء “مغرب متقدم موحد ومتضامن، من خلال النهوض بالتنمية الاقتصادية والبشرية الشاملة، مع الحرص على تعزيز مكانته ضمن نادي الدول الصاعدة.” طريق التنمية يكشف الخطاب تعترضه صعوبات وعراقيل، أهمها الأزمات الداخلية والخارجية الدولية المتتالية التي شهدها العالم، من توالي سنوات الجفاف إلى الحروب، والتي أثرت بشكل أو بآخر، لكن المغرب حسب نص الخطاب الملكي حافظ على نسب نمو مهمة ومنتظمة، يؤكد ذلك، صمود الاقتصاد المغربي أمام هذه المتغيرات الداخلية والدولية.
توقف الخطاب الملكي السامي عند التوجهات الاستراتيجية التي اعتمدها المغرب في خلق وتشجيع صناعة مغربية، والتي بفضلها تعد قطاعات السيارات والطيران والطاقات المتجددة، والصناعات الغذائية والسياحة رافعة أساسية للاقتصاد المغربي الصاعد، سواء من حيث الاستثمارات أو خلق فرص الشغل. اقتصاد صاعد ببنيات تحتية حديثة ومتينة بمواصفات عالمية.
سقف طموح جلالة الملك لا متناهي، عبر عنه عدم رضاه عن مستوى التنمية الاقتصادية والبنيات التحتية، إذا لم تساهم بشكل ملموس في تحسين ظروف عيش المواطنين من كل الفئات الاجتماعية، وفي جميع المناطق والجهات. لذا ما فتئ جلالته يولي أهمية خاصة للنهوض بالتنمية البشرية، وتعميم الحماية الاجتماعية، وتقديم الدعم المباشر للأسر التي تستحقه. تصريح ضمني بسعي جلالته إلى ترسيخ عدالة مجالية وترابية، تقطع مع ما يروج عن مغرب يسير بسرعتين، مستندا في ذلك إلى نتائج الإحصاء العام للسكان 2024، التي كشفت مجموعة من التحولات الديمغرافية والاجتماعية والمجالية التي ينبغي أخذها بعين الاعتبار في إعداد وتنفيذ السياسات العمومية.
وجه جلالته إلى ضرورة الانتقال من المقاربات التقليدية للتنمية الاجتماعية إلى مقاربة للتنمية المجالية المندمجة. رسالة صارمة موجهة إلى الفاعل السياسي الذي يلزمه أن يرتقي إلى مستوى تطلعات جلالته. بلغة صارمة ودقيقة وجه الحكومة إلى اعتماد جيل جديد من برامج التنمية الترابية يرتكز على تثمين الخصوصيات المحلية، وتكريس الجهوية المتقدمة، ومبدأ التكامل والتضامن بين المجالات الترابية. وقد وضع جلالته الخطوط العريضة التي يجب أن ينصب عليها عمل الفاعل السياسي من داخل الحكومة على بعد سنة تقريبًا من إجراء الانتخابات التشريعية المقبلة في موعدها الدستوري والقانوني العادي، مؤكدا جلالته على ضرورة توفير المنظومة العامة المؤطرة لانتخابات مجلس النواب، وأن تكون معتمدة ومعروفة قبل نهاية السنة الحالية:
– أولًا: دعم التشغيل عبر تثمين المؤهلات الاقتصادية الجهوية، وتوفير مناخ ملائم للمبادرة والاستثمار المحلي.
– ثانيًا: تقوية الخدمات الاجتماعية الأساسية، خاصة في مجالي التربية والتعليم والرعاية الصحية، بما يصون كرامة المواطن ويكرس العدالة المجالية.
– ثالثًا: اعتماد تدبير استباقي ومستدام للموارد المائية في ظل تزايد حدة الإجهاد المائي وتغير المناخ.
– رابعًا: إطلاق مشاريع التأهيل الترابي المندمج في انسجام مع المشاريع الوطنية الكبرى التي تعرفها البلاد.
في باب السياسية الخارجية، وتحديدا القضية الوطنية الأولى؛ قضية الصحراء المغربية، تقاليد المؤسسة الملكية العريقة والراسخة، التي تمتح من إمارة المؤمنين، تؤمن بحسن الجوار، والإحسان بالجار، توجه جلالته إلى الجزائر بيد ممدودة دائما وأبدا، بموقف واضح وثابت؛ وهو أن الشعب الجزائري شعب شقيق، تجمعه بالشعب المغربي علاقات إنسانية وتاريخية عريقة، وتربطهما أواصر اللغة والدين والجغرافيا والمصير المشترك. أكد صاحب الجلالة تمسكه بالاتحاد المغاربي، والذي لن يكون بدون انخراط المغرب والجزائر مع باقي الدول الشقيقة.
في ختام خطابه وكدأب جلالته، أنهى خطابه بآية قرآنية قوله تعالى في الآية الرابعة من سورة قريش: “فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف”. صدق الله العظيم. سورة لها دلالتها العميقة في سياق خطابه، استجابة لوحي رباني أنزله على خير الأنبياء وخاتمهم سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام. إقرارا بأن الأحق بالعبودية هو الله، وأرقى وأسمى عبادة هي نعمة الحمد والشكر، حمدا وشكرا على نعمه التي لا تعد ولا تحصى، ويبقى أهمها الأمن الغذائي (أطعمهم من جوع) ونعم الأمن والاستقرار والسلام التي يتميز بها المغرب بين مختلف دول المعمور (آمنهم من خوف).
الخطاب الملكي بمناسبة عيد العرش: رؤية ملكية لمغرب متقدم، عادل ومتماسك

تعليقات
0