في سياق الحركية التنموية التي تعرفها المملكة، ومع الانخراط الوطني في بلورة جيل جديد من البرامج التنموية الترابية، تتواصل اللقاءات التشاورية بمختلف الجهات والأقاليم في مسعى لإرساء نموذج تخطيطي متجدد، قادر على مواكبة التحولات الاقتصادية والاجتماعية المتسارعة، واستشراف رهانات التنمية المندمجة والمستدامة.
غير أن السؤال الجوهري الذي يفرض ذاته بإلحاح هو: هل ستشكل المقاربة التشاركية هذه المرة جوهر الفعل التنموي، أم ستظل مجرد عنوان ترفع لتزيين الخطابات والمذكرات؟
لقد أثبتت التجارب السابقة بما لا يدع مجالا للشك أن أي برنامج تنموي يفتقد للبعد التشاركي الحقيقي، يظل محدود الأثر، سريع التلاشي، ويفتقر إلى العمق المجتمعي. فالتنمية ليست صياغة تقنية لمشاريع أو أرقام، بل هي مشروع مجتمعي تشاركي يقوم على الإصغاء لنبض المواطن، والانفتاح على الفاعلين المحليين، وتمكين المجتمع المدني من الإسهام الفعلي في رسم معالم المستقبل.
ولعل من النماذج التي تستحق الوقوف عندها، برنامج الانفتاح الذي اقترحته في وقت سابق جمعية الجماعات الترابية بشراكة مع جمعية إمباكت للتنمية وبدعم من وزارة الداخلية، والذي شكل حينها تجربة رائدة لترسيخ ثقافة الحوار المؤسساتي والتفاعل المحلي.
غير أن السؤال الذي يظل معلقا اليوم هو: ما مصير هذا البرنامج؟ وإلى أي مدى تم تفعيله وتجويد مخرجاته؟
فمن الصعب الحديث عن جيل جديد من البرامج التنموية، في وقت ما زالت بعض المؤسسات والجماعات الترابية لم تستوعب بعد فلسفة الانفتاح المحيطي، ولم تجعل من الإصغاء للمجتمع المدني والمواطنين ركيزة لتخطيطها المحلي.
إن تجاهل هذه الحقيقة يجعل من كل محاولة للتجديد مجرد إعادة إنتاج لنماذج تقليدية فقدت قدرتها على إحداث التغيير.
إن الرهان اليوم ليس في صياغة وثائق جديدة بقدر ما هو في تبني منهجية جديدة للتدبير، قائمة على الإشراك الحقيقي، وربط المسؤولية بالمحاسبة، وتعزيز جسور الثقة بين المواطن والمؤسسة.
فالمقاربة التشاركية ليست طرفا مؤسساتيا، بل هي الضمانة الوحيدة لتنمية متوازنة ومستدامة، تبنى من الميدان، وتعود بالنفع على الإنسان.



تعليقات
0